فريق التحرّي !






/


أحنّ في بعض الأوقات إلى التنقيب العميق في صناديق ذكرياتي القديمة التي أحفظ فيها قصاصاتي وأوراقي ، فأجد فيها ما يثير الضحك بلا توقف !
والذكريات - كعادتها - تجرّ بعضها بعضًا !

انتهت بي الذاكرة ذات مرة إلى قصة درامية / فكاهية ، ما زلنا حتى هذه اللحظة نضحك من تفاصيلها !

عندما كنت في الثانوية وقبل خمس سنوات مضت ، طرأت على والدي فكرة بأن يأخذ زوجته وأمها في رحلة إلى مكة 


،كان رمضان في بدايته وكانت الفكرة مغرية جدًا لنا ( أنا وفاطمة وسارة ) للخروج قليلاً عن جو الدراسة والملل ..
وبعد الترجّي ( والتمصلح ) أقْنَعَت الفتيات الثلاث والدهن أن يأخذهن معه ، وأوْردنا أسبابًا عديدة لترقيق قلب الأب الطيّب ، كان من ضمنها :
1- أننا سنساعدكم في رعاية أختاي الصغيرتان ( جواهر وشهد ) كي لا تقلقوا وتؤدوا العمرة
على أكمل وجه !

2- لدينا خبرة واسعة في الرحلات " المكية " ، لذلك سنكون ساعدك الأيمن يا أبي !
هكذا وافق أبي وانطلقنا في عطلة نهاية الأسبوع ..


ولأنني خُلقت من عَجل ! تنبّهتُ على حقيقة مرّة !
فقد نسيت هاتفي ومصحفي في المنزل - أهم الأشياء لدي - وكان ذلك بعد أن قطعنا نصف الطريق إلى المطار !
لا بأس .. استسلمت وقررت أن أعيش مثلما عاش أجدادنا ، ولم أكن أعلم أنني سأدفع ثمن ذلك غاليًا جدًا فيما بعد !


وصلنا مكة عند الساعة الثالثة فجر الخميس ، تناولنا سحورنا ثم انطلقت الدفعة الأولى لأداء العمرة ( أبي وزوجته وفاطمة والجدة ) ،وبقيت أنا وسارة والصغيرتان - ولأننا ماهرات جدًا في التعامل مع الأطفال - تركناهما في الغرفة المجاورة وغرقنا في نوم عميق تحت إغراء ( المكيف ) والظلام !
ولم أنتبه إلا بصوت الباب الخارجي ، هرعت سريعًا لأرى جواهر - ذات السنوات الأربع - تبكي وتريد الخروج لأمها !
لو لم ألحق بها لهربت من الغرفة !
نظرت إلى ساعتي التي كانت تشير إلى الثامنة تقريبًا ، وتساءلت ..
" ترى ما كل هذا التأخير ؟! "
عدت إلى الغرفة وقررت أن أنام مع الصغيرات - لا أعلم حينها لم أصبت بكل هذه اللامبالاة - !!
نامت جواهر واستيقظت شهد - الرضيعة - تبكي ، وأنا لا أملك أي قدر من الخبرة أستطيع فيه إسكاتها أو إعادتها إلى النوم !

تأخر الوقت ولم يعودوا وبدأت أقلق !
اتصلت فاطمة أخيرًا على هاتف سارة وأخبرتنا بالمصيبة !
فقد ضاعت الجدة !

قلت لها أن عليكم العودة لترتاحوا وأذهب مع سارة نعتمر ونبحث عنها في نفس الوقت ..
وعندما رجعوا كان والدي منهك إلى أبعد حد ، وزوجة أبي تترقرق الدمعات في عينيها !

ضربنا أنا وسارة الصدر !
( لا يهمكم ) لن نعود إلا وهي معنا !
كنت أشعر بنشاط وهمة ، والوقت قد قارب الظهر ، وضعنا أحذيتنا - أعزكم الله - قرب الباب وانطلقنا للبحث حتى تقام الصلاة وبعدها نباشر الطواف ..
المحاولة الأولى باءت بالفشل ، وبدأت أطوف والشمس فوق رأسي !
كنت أطوف وأنا أذوب وفقدت نصف طاقتي التي جئتُ بها !
وما أن انتهيت حتى هرعت إلى جهة النساء واستلقيت - لا شعوريًا - وكأن كل خلية في جسمي تشكو العطش !
حدثتُ نفسي بأن أصبر ، كلها ساعات ويحين موعد الإفطار .. أما سارة فيبدو أنها أفطرت وقابلتني عند المسعى ، بحثنا مرة أخرى ولم نُفلح ..
لا أعلم كيف افترقنا بعد ذلك ولم يكن لدي هاتف يبقيني على اتصال بها !
أكملت أول شوطين في المسعى السفلي .. وقد بلغ بيَ التعب مبلغه !
انتقلت بعد ذلك إلى المسعى العلوي حيث يكون الزحام أخف - حتى في أحلَك الظروف أُغامر وأَتَنَقّل - !
كنت أجرّ أقدامي جرّا ، وكل ما أتمناه في هذه اللحظة هو أن أجد الجدة وأكمل عمرتي وأعود سالمة !
أثناء هذا الوقت سمعت أذان العصر ، ولا أذكر بالضبط ما الذي جعلني أُقدِم
على الخطوة التالية !
كان قد بقي لي ثلاثة أشواط وأنتهي !
وبلا نقاش مع نفسي قررت العودة إلى الفندق !
لا أعلم كيف فعلتها لكنني فعلتها وخرجت !
بحثت عن حذائي وعندما وجدته كان حذاء سارة موجودًا فعرفت أنها لم تنتهي بعد ..
وصلت الفندق وارتميت ارتماءً عنيفًا على السرير وأنا ألهث !
فجاء أبي مسرعًا ، وأخبرته أننا لم نجدها بعد ، لكنه وبّخني أكثر من أجل سارة التي تركتها ولا أعلم أين هي ..
فقلت لا تقلق فهي تعرف الطريق جيدًا ..

بعد نصف ساعة أو أكثر ، سمعت طرق الباب ، فإذا بها تدخل بعينين يتطاير منهما الشرر ، وأنفاس متلاحقة ..... وقدمين حافيتين !!
ضحكت وضحكت وضحكت ، فقد أضاعت الآنسة مكان أحذيتنا ، فآثرت العودة " حافية " مع أن الفندق لم يكن قريبًا !


...



وما زالت الجدة مفقودة !
تناولنا إفطارنا ، وخرجت الفتيات الثلاث للبحث مرة أخرى ، وقبل أن أخرج أعطاني أبي مبلغًا من المال كي أستأجر أحدًا يساعدنا في البحث ، وأخذت هاتف زوجة أبي حتى لا تتسع دائرة الضياع !
أنا الآن لم أكمل العمرة ولم أتحلل بعد ، فقررت من تلقاء نفسي أن أعيد المناسك مرة أخرى بعد صلاة التراويح ..

بعد الصلاة قررنا أن نفترق لنبحث عن الجدة ومن ينال منها التعب تعود إلى الفندق ، بحثت مرارًا ولم أجدها ، وعند الساعة الحادية عشرة والنصف تقريبًا قررت أن أبدأ العمرة من جديد ..
أدخلت يدي في حقيبتي وتذكرت النقود التي أعطاني إياها أبي ، ولأنني لم أكن مقتنعة تمامًا بفكرته ، خطرت لي فكرة ( شريرة ) أن أستغل المال لصالحي !

اتجهت إلى أقرب مكان لتأجير العربات ، ودفعت لأحد الشباب المال كله على أن يدفعني بالعربة ( طوافًا وسعيًا ) !
المضحك في الموضوع أنني ومنذ أن اعتليت العربة هَبَط عليّ نعاس عجيب !
وصرت أغالبه بكل ما أوتيت من قوة لكني لم أستطع !
فقضيت الأشواط كلها وأنا شبه نائمة ، وأنتبه على صوته حين يصرخ ( كبّري يا حجّة ) ! كلما مررنا على الحجر الأسود !
وأظن أنه لو درى بحقيقة عمري ونشاطي لرماني من فوق السور !

انتهيت تمامًا قرابة الثانية والنصف صباحًا ، وتحللت بمقص مجهول الهوية وجدته مرميًا ، لكن لا يهم !
وارتديت ( النقاب ) وأصبح كل شيء واضحًا ، وأكملت البحث هذه المرة خارج أسوار الحرم حيث درت حوله لكنني لم أجد شيئًا !
اتصل والدي عندما حلّت الساعة الثالثة وأمرني بالعودة كي يخرج للبحث في المستشفيات المجاورة ..
وأحمد ربي أنه لم يسألني عن المال !

في الفندق ، كنت أتساءل ماذا لو لم نجدها ! ماذا لو انقضى اليوم التالي في البحث أيضًا !
وخيالات كثيرة مرّت علي حتى أسلمت عيني للنوم بعد يوم طويل جدددًا !

فجأة رن الهاتف وإذا بصوت أبي المبتهج والمنهك يخبرني أنهم وجدووووووها !


...


* وُجِدَت الجدة قرب أحد البوابات الرئيسية في جهة النساء ، وكانت متهالكة من التعب والجوع بعد غياب استمر لأكثر من عشرين ساعة !


بعد هذه الرحلة ، تعلمت أن أكتب كل ما أحتاجه خلال تجهيزاتنا للسفر وأول شيء أتفقّده هاتفي الجوال !
بعد هذه الرحلة ، لم أتحمل مسؤولية رعاية أي طفل خوفًا على حياته !
بعد هذه الرحلة ، دعوت الله كثيرًا أن يتوب عليّ جرّاء ما فعلته من " حماقة " خلال العمرة !

نسيت أن أخبركم أنني وجدت حذاء سارة أثناء جولتي حول الحرم ^^ !



وسلمتم ~
مريم =)

21 / 10 / 1431 هـ


6 سيزداد البهاء بتعليقكم ~:

غير معرف يقول...

هههههههههه رآئع مريوم ,,
اسلوب شيييق ,,

واللي ضحكت عليه اكثر شيء !
>>

وأظن أنه لو درى بحقيقة عمري ونشاطي لرماني من فوق السور

()

غير معرف يقول...

صَبَاحُكِ/مَسَاؤكِ ..
فرحٌ يلفّ أيّامكِ ..
/
تُمتعينَ الفُؤادْ فِي رِحابِ مسَاحاتكِ ..
أُحبّ تَرنِيمَة أحرُفكِ ♥ ..يَا رياااااااااااامي =)
تُحيلُ الدّنيـا جمالاً وأنواراً !
كَ الرّبيعِ أبجديتُكِ تكتنفُ الكونْ !

/
رياااااااامي >>>
عمرة مقبولة مرة ثانية :) يا بعد حيي :)

أسْعَدَ االلهُ قَلبكِ..

رحاب الفريج يقول...

ههههههههههههههههههههه..قصة والله ولا أمتع
أرجوك بشدة أن تسمحي لي أن أرويها لبناتي في حصة النشاط في المدرسة ..

لأنها فعلا قصة مغامرة مشوقة وفكاهية ..
اعتقد أنها تصلح أن تُمثل في مسلسل كوميدي..

الله يا ربي يسعد قلبك الأبيض يا مريم ..
(يا حبي لك بس)

مريم =) يقول...

حُييتم أحبة القلب ~

.

رحاب / لكِ كامل الصلاحية ، وإذا تبين تستضيفيني مافي مانع > ذذذ
" يا رب ينكتب لنا لقاء قريب "
=)

طيفٌ أزليّ ! يقول...

هههههههههه

مريومه
مانتي صاحيه بصراحه :$
القصّه مُضحكه فعلاً

لكن السؤال / قلتي لِ أبوكِ عن العربيّه ؟ :P

يا حُبي لكِ ، أسلوب شيّق
و ذكرى جميله : )

قصة حلم يقول...

يآآآآآآآآآه ,,
يآمجررررمه ..

ههههههههه .. جد جد عليك طلعآت ,,
دآيم أقول عليك تصنيفآت مريوم لكن مثل هيك مآحصلش ^_^

/

أسعد الله قلبكِ ..
استمتعتُ جداا بقراءة القصة ..
وشدني أمر الجدة المفقودة هههههه ..
وأدهشتني فكرة العربية ^_^ ..

:

موفقة يآقلبي

إرسال تعليق