{ مُستودع الفقدان








" أسرار لم أخبر بها أحدًا "
2/12/1426 هـ

" تعود أحداث هذه القصة لأربع سنوات خَلَت "



مضى على بقائي هنا في المشفى مع جدتي أسبوعين ..
أسبوعين قاحلين !
دخلتُ عليها وقد قَدِمتُ من المدرسة مباشرة ، فلم أكن أُطيق الرجوع إلى البيت قبل أن أراها وأطمَئن !
أساسًا .. لم أكن أستطيع أن أفارقها ساعة ، وأن ساعات المدرسة أقضيها على جحيم !
دخلتُ عليها وهي ممددة كما تركتها في الصباح تمامًا ..
رَحّبتْ بي بصوتها المبحوح الحزين .. وبعينين غائبتين في الخواء !
ابتسمتُ بأسى وأمسكتُ يدها .. وغبتْ في خيالات رمادية عميقة ..
هل سيتحمل قلبي الفقد مجددًا ؟
هل سيقوى على غياب نبضه مرة أخرى ؟!

قبل ست عشرة سنة .. كان آخر ما سمعته من أمي هو صوتها وهي تنادي على والدي ..
وآخر ما رأيته منها .. جسدها وهم يدسونه في سيارة الإسعاف
وأبي ملقى بقربها .. ورحلا معًا !
كنت أظن أنهما سيعودان قريبًا كما اعتدت أن أراهما كل يوم !
بعد يومان أو أكثر .. لا أدري بالضبط !
فالألم كان أطول من كل شيء !
عاد والدي لوحده وعيناه تائهتان مليئتان بجُمَل قاتمة !
دامعتان كمطر شارد !

كيف ترحل دون أن أودعها ؟
ودون أن أقول لها أحبك ؟!
فتظل هذه الكلمة عالقة في فمي حتى الآن !
لم أكن وقتها أعرف معنى الموت .. ولا أعرف وقع الرحيل !
لذلك انتظرت قدومها طوال العام ..
وكنت على يقين أنها ستطرق بابنا ذات يوم .. وستأتي محمّلة بالهدايا !
وأقفز لها وأطوق رقبتها .. و أغرقها بالقُبَل !

وجاء الشتاء !
ويئستْ مني الأمنيات !
وعرفتُ أنها لن تأتي !
عندها بكيت الدم !
وصرت أرتعد بردًا وخوفًا واشتياقًا !

كان أدفأ مكان في ذلك الوقت .. حضن جدتي !
فلازمتها مذ ذلك الحين !
فلم أطق ابتعادًا عنها مهما كَبِرت ..
ولم تُطق ابتعادًا عني كلما ضَعُفَت !

...

وهي الآن على هذا الفراش .. على زلزال من الآلام !
تئن فأتعذب .. وتقول الآه فيهتز جسمي بالوجع !
أواه لو كنت أقدر !
لنزعت هذا الجسد لأجلها .. ولاقتلعت هذه العينين .. ولمنحت هذه الروح ولا أبالي !

لم أخبر أحدًا أنها كانت توقظني في الليل وتنادي بالأموات .. وأحتبس دمعاتي كي لا تراها !
ولم أخبر أحدًا أن آخر ما نطقَت به قبل أن تتوارى في غياهب الظلمة هو اسمي !
وأن عيناي عانقت عيناها قبل أن تغيب !
في تلك الليلة آثر والدي أن أبيت في المنزل ..
وما درى أن رؤيتها وهي تتعذب أشد من رؤيتها وهي تموت !
لم أخبر أحدًا أنني قضيت تلك الليلة في غرفتها ..
ودون أن أدري أسلمت نفسي للدموع !
وفي الصباح .. لم أذهب إلى المدرسة ..
فما لدي من ألم أثقل من أن أحمله على ظهري أينما غَدوت !

وعلى نبأ وفاتها استيقظت !
تلوت آيات الرضا .. وحمدت ربي واسترجعت ..
واستقبلت عهدًا جديدًا من الحزن !
دون أن أفكر حملت نفسي إليها ..
وهيأتُ نفسي للقاء الأخير ..
ولم أخبر أحدًا أني فتحت خزانتها قبل أن أخرج وأخذت زجاجة العود الذي تحبه !

هناك .. رأيت الجسد باردًا مُسجّى !
فغسلتها .. وكفنتها .. ثم طيبتها بالعود ..
ثم قبّلت رأسها قبلة طويـــــــــــــــــــــــلة !

هذه المرة أنا أعرف الموت جيدًا .. وأعرف وقع الرحيل وشراسته !
لذلك لم أنتظر قدومها لعام آخر !
ولم أنتظر هداياها عند الباب !

وجاء الشتاء باردًا قاسيًا هذه المرة !
وبلا حضن جدتي !
أنا في الحقيقة فقدت أمي مرتين !

في الليلة التي نمت فيها وحدي - لأول مرة - بدونها ..
بكيت كالأطفال .. بكيت حتى أعتقني الدمع !

لم أخبر أحدًا أنني مازلت أشتاق لجدتي !
ولم أخبر أحدًا أن جدتي وأنا نلتقي في الليالي المقمرة ..
فتحدثني وأحدثها .. وإذا ما انتهينا ضمتني وقبلتني .. وافترقنا !
ولم أخبر أحدًا أنه لم يَعد هناك جدوى للنحيب !
وأنه لم يعد هناك شيء يستحق البكاء !
ولم أخبر أحدًا أنه لم يعد يهمني ..
أبقيتْ في هذه الدنيا ..
أم رحلت !!


" لذكرى وفاتها "

مريم

14 سيزداد البهاء بتعليقكم ~:

وسنى يقول...

كلماتك وطأت جرحا غضّاً..

فقدان الحضن الدافئ مؤلم..جد مؤلم..

:"

غير معرف يقول...

Slaaaaaaaaam
You know I have no desire to comment on any topic're writing, but I find myself compelled to comment
مريم...ياأخيس أحد بالحيااااة
شكرااااا



مااااااله داعي ....أكيد عرفتيني

smsm salman يقول...

لقد اتيتي بذكريات حاارة ومره

وفااة امي.. (صغيرة كنت ولم اتذكر منها شيئا)

ولكن وفاة جدتي تلك هي الذكريات المره بذااتها..

سيجمعنا الباري معهم في جناته باذنه

سيظل الأمل شامخاً :) يقول...

لطعم الموت مرارة!!
لكن منه نتعلم لذةالحياة لنتقن أبجديات الطاعة:)
ومن رحم الألم يتمخض الأمل !
وكما قيل: لاينضج الحر..إلا بالألم العظيم
سلامي لقلبك وتحية لحرفك الأبي :)

مصباح الدجى يقول...

مريم كلمات كانت كالسهام على قلبي ...أجمل ماقرأت من خواطر حبيبة ...جمعنا الله وإياك معهن في جنات النعيم ..مصباح الدجى

مريم =) يقول...

مرحبا رفقاء حرفي

أنرتم المكان ~

غير معرف يقول...

كنت على يقين .. أن هذه الحروف ستنكأ جرحًا قديمًا توراى مع الأيام ..
لذا .. نسخت ما كتبتِه .. لأقرأه وحدي ..
بعيدًا عن أنظار المتطفلين .. الذين سيلاحظون دموعي بلا شك !

4 سنوات مضت على فقدها ..
لكنها كأربعة أيام ..
فلا يزال صوتها الجهوري .. يتردد صداه في أذناي ..
و لا تزال حكاياتها محفورة في مخيلتي ..
و أشعارها – التي لم أكن أفهم منها إلا القليل – لا تزال تعلق في مكان ما ..

صحيح أننا فقدنا من أمهاتنا اثنتين ..
لكن عوضنا ربي بأمهات كُثر حولنا .. لم نشعر بالفقد مع وجودهن !
و غدت حياتنا طبيعية ... كأي عائلة سعيدة ..

أسأل الله أن يحفظ لنا أمهاتنا الكُثر !

فطوم ..

دلال * يقول...

ألا فليرحمهما الله وموتى المسلمين...

وتحية..
للحرف الذي أبكاني أثناء المحاضرة ..
وأخرى في ماليزيا ..

غير معرف يقول...

حاولت أن أرد بغير الدمع فلم أقوى ..

فن ~ يقول...

وأنا أقرأ حروفكِ التي نسجتيها بخيوطٍ بين تأوُّهٍ وغصّات كنت بالكاد أحبس دموعي في عيني ،

ذكراهم مؤرقة :/

اللهم اجمعنا بمن نحب في جنانك ،

مريم =) يقول...

لطالما تساءلت !
لو لم يرحلا هل سأكون كما أنا ؟
هل سأحاط بالعطايا من الله كما الآن ؟

له الحمد والتعظيم

.


طِبتم يا نزلاء القلب !

أحبك عمتي × الله يرحمك× يقول...

آهـ أيها الفقد ،،
نكأتي جرحاً قد ضمدته دون تعقيم ..
وهاهو الآن يخرج قيحه وصديده ..

أشتاااااااااااق لمن هم تحت الثرى ،
أبكي ثراها ، أحبها ، بل أعشقها ..
قد كان آخر غداء لي في غرفتها ، وفي المساء غادرت
دون أي مرض ،

**يهون انهمار الدمع في وجع القلب **

بو صلاح يقول...

ان القلب ليحزن وان العين لتدمع واننا على فراقك ياجواهر الحبيبه لمحزونون

لااقول الا انا لله وانا له راجعون

ستظلون في اعيننا مدى الدهر فانتم بمثابة بناااااتي

سنظل نحبكم

سنمحي الالامكم رغم اننا لن نستطيع لكن سنظل نداويها

ستبقون بناتنا وتاج على رؤؤسنا

عمكم:صالح بوسحه

بوصلاح

وخالتكم وامكم:طرفه

سارة سلمان يقول...

.. هل كنت صغيرة لتلك الدرجة التي تجعلني لا أذكر شيئاً من الحادثة التي كانت قبل ستة عشر سنة !
أم ذاكرتي لا تريدني أن أتذكر منها شيئاً !

فأنا لا أذكر أماً سوى أمي (أم عبدالله) التي احتضنتنا بقلبها الحنون ,, و عشنا معها و مع والدي و جدتي حياة سعيدة لا يشوبها أي كدر ..

فـ لم أفقد أماً سوى جدتي ,
جدتي التي كنت بالنسبة لها -للأسف الشديد- الطفلة المشاكسة العنيدة التي -ترفع ضغطها- دائماً ,, و رغم ذلك كله كانت تحبني حباً جماً و تخاف علي أكثر من أي شيء في الحياة ..

جدتي التي لطالما اشتقت لسماع صوتها و أغانيها الشجية , حيث كنت أطير فرحاً حين تقول : سويره راحت البر , تييب العيش الأحمر , و تحطه في الصواني ..

جدتي التي كانت أشد الناس حرصاً على تناولي لعلاجي ,,
كانت لا تمل أبداً من سؤالي عنه يومياً !
فلم أكن أتناوله إلا لأجلها ,
و إن تناولته بعد وفاتها , فإنما تناولته لأجلها ..
لأجلها فقط !

.. اللهم ارحم موتانا و موتى المسلمين و اجمعنا بهم في جنات النعيم .. آمين

إرسال تعليق