سباق الورق ~

بوّابة ~


قبل أن أبدأ في قلب الموضوع ، دعوني أحدثكم قليلاً عن أسرتنا ..
التي لم أجد لها مثيل مطلقًا في أي مكان كان !
لكل فرد في أسرتنا شخصية مستقلة ، ورغم أن العنصر الغالب هو جنس الإناث
( بنسبة 7 : 2 ) إلا أن الجميع ينال حقه كما يريد في مجال طرح الرأي ، والمشاركة في إدارة المنزل ، مما جعلنا نعتاد على أسلوب الحوار والمناقشة ، فلا تجد من بيننا من تضعف شخصيته خارج المنزل أو في اللقاءات الاجتماعية ..
وأكثر ما يميزنا هو غياب عنصر النظام العام ، فلكل شخص نظامه الخاص وأسلوبه الشخصي ، فلا مواعيد محددة للنوم والاستيقاظ ولا قوانين صارمة للدخول والخروج ، الكل منظم بطريقته التي تناسب تركيبته .. ورغم أننا تربينا في بيئة واحدة إلا أنه لا أحد يشبه الآخر في اهتماماته !


تجدنا دائمًا مجتمعين في (صالة) المنزل طوال اليوم في أماكن ثابتة لا تتغير !
حيث يكون لكل فرد زاويته الخاصة يمارس فيها طقوسه وحده ، ومن يتخلف عن مقر التجمّع العائلي فسوف يفوته الكثير من الأحداث والأخبار وحكايا الدار !

البيئة الصغيرة التي أعيش فيها ملائمة تمامًا لإقامة المشاريع !
يكفي فقط أن تظهر حماسك وحزمك (ليتحمس) معك الآخرون !

فالمشاريع الأسرية لذيذة جدًا !
سيشعر كل فرد أنه ذو تأثير وذو قيمة مهما كَبر أو صغُر !


...


قلب الموضوع ~


كما في كل عام .. تحلّ علينا العطلة كضيف نشتاق إليه ..
محملٌ بالهدايا والعطايا بعد أيامٍ من ( الدوام ) المرهق !
جاءت إجازة الربيع لهذا العام تتوسط فصلاً دراسيًا مكتظًا بكل شيء : دوام مدرسي ، أنشطة ، أعمال ، مهام وتكاليف !
فكان مجيئها شهيًا ومغريًا ، فبمجرد أن شممت رائحة العطلة - التي كانت مدتها أسبوعًا فقط - شعرت باستثارة للأفكار وأن خلايا عقلي بدت في حالة تأهب وحركة وعمل !




التقطتُ إحدى هذه الأفكار وقيّدتها في دفتري حتى يتسنّى لي البناء عليها وتهذيبها ..

فكان " سباق الورق " !
خططت لكل شيء خلال وقت قصير ..
وخلال الاجتماع العائلي في المكان المعتاد عرضت الفكرة على الجميع .. فأخبرتهم أننا سنبدأ خلال أيام بمسابقة للقراءة ..
وأن الاشتراك بها متاح للجميع بالإضافة إلى أفراد عائلة خالتي ليزداد وهج المنافسة ..
أخبرتهم أيضًا أنني سأُعلق لوحة كبيرة هنا ( في صالة المنزل ) تحتوي على أسماء المشاركين لتسجيل النقاط ، وما عليهم فقط سوى القراءة في كل يوم وتسجيل عدد الصفحات التي تمت قراءتها ..





كما أن تسجيل النقاط سيكون بآلية معينة ..
فإن من يقرأ :
1- صفحة واحدة إلى (20) صفحة يُرصد له (5) نقاط ويوضع له ملصق أحمر على اللوحة ..
2- من (21) إلى (50) يُرصد له (15) نقطة ويوضع له ملصق أزرق ..
3- من (51) إلى (80) يُرصد له (35) نقطة ويوضع له ملصق أخضر ..
4- من (81) إلى (100) وأكثر ، يُرصد له (65) نقطة ويوضع له ملصق أصفر ..

في النهاية تم تعيين أختي التي تصغرني بعامين مسؤولة لرصد النقاط ..
وأبدى الجميع رغبته في المشاركة وبدأ الحماس !
أما والدي فقد اكتفى برعاية الجوائز للفائزين عند اختتام المنافسة ..





لم يكن هناك مجال لتحديد كتاب واحد يقرؤه الجميع لاختلاف الاهتمامات وتنوعها ..
فتم فتح باب استعارة الكتب من مكتبتي على شرط إعادتها بعد الانتهاء منها بنفس حالتها ..
حيث كان التنافس على قدمٍ وساق ومن أشخاص لم يعتادوا على اقتناء الكتب !

امتد السباق لشهر كامل بعد أن كان قد خُطط له لأسبوع فقط لأني أحببت أن يستمر جو القراءة الذي ملأ منزلنا ..
خلال هذا الشهر زاد اهتمام أمي وأخوتي بالكتب ، وكان الشخص الذي يقرأ صفحة تعجبه يشاركنا فيها فتزداد دائرة الفائدة اتساعًا !
وأجمل الأوقات كان لحظة رصد النقاط وتعليق الملصقات فقد كانت خالتي تتصل في كل ليلة لتسجل نقاطها .. وأحيانًا كنا نستيقظ صباحًا لنجد أختي قد رصدت النقاط ليتفاجأ كل شخص باللون الذي حصل عليه في جو ممتع مضحك !






كانت فكرة السباق بسيطة لكنها أثرت فينا جميعًا ، التهمنا خلال هذا الشهر صفحات وصفحات وصفحات !
انتهى السباق واحتفلنا بإنجازاتنا ، وربحت أمي الجائزة الأولى بعد أن كانت الأكثر تذمرًا في البداية !





قدمتُ للمشاركين الهدايا وشهادات الشكر ، وما زال الجدول معلقًا في الصالة لأن له ذكرى جميلة تذكّرنا برائحة الكتب ، ويكفي أن يتذكر كل واحد من أسرتي أنه كان يومًا ما صديقًا للكتاب ~






مريم =)

27 / 6 / 1431 هـ