فما على دنيانا من حزن ~

وشممت رائحة الكافور للمرة الثانية !
عندما امتلأت تجاويف صدري بهواء المغسلة ..
وكان في خاطري ترددات عنيفة لمزيج من الأصوات والصرخات ، حاولت جهدي لتصبير نفسي لأنني سأراه بغير الطريقة التي اعتدت أن أراه بها !


( عبودي ) سُكّر منزلنا وعطر أرجاءه !
كنت أخته لفترة مؤقتة ، وحاز على حبي كما لو كنت لم أحب طفلا مثله !
منذ أن كنا نترقب مولودًا جديدًا في منزل خالي ، وجاءنا فِلقة من قمر .. قبل عامين ، وأضفى على حياتنا لونًا جميلاً !

قبل ليلتين أراد الله أن يمتحن قلب عبديه ، فاختار طفلهما لتعرج روحه إليه ، فراح ضحية للطريق في ليلة ظلماء !

في رثاءه .. لن أعمد إلى جلب ذكرياته ، أو أتحدث عن جمال روحه الصغيرة أو لذة حديثه بلكنة طفولية مبهجة ..
لن أفعل ذلك كله ، لأن الذكرى سياطٌ ملهبة وعذابٌ أليم !!
سأكتب كلماتي لأمنح نفسي شيئًا من جَلَد وأدعو اللطيف أن يمنحنا جميعًا سياجًا من يقين ..

أنا سعيدة لأن ( عبودي ) رحل دون أن يقترف من آثام الدنيا شيئًا ..
وسعيدة لأجله كذلك لأن روحه ستكون تحت رحمة الكافي الرحيم الرازق .. الذي لا يأخذ إلا ليعطي !
وإنني أشعر بالرضا من أجل والديه ، لأن ربي سيصدق وعده لا محالة حين جعل الجنة جزاءً لمن يأخذ ( صفيّه ) من الدنيا ..

وعلى ألواح الموتى ما كان يفصلني عنه سوى بضع أقدام ، حين تبدد الجمع من حوله وبقيت وحدي كي ألقي عليه تحية الوداع !
وفي الجهة التي لم تصل إليها آثار الدماء والجراح قبّلته كي أنال شيئًا من ريحه ..

خالي وزوجه لم يجزعا بعد رحيل حبيبها بل سلّما ، ومسح على قلبيهما بالسكينة والرضا ..
أنا مطمئنة لأن ما يفصلنا عنه رحلة قصيرة سنقطعها دون أن نشعر ، يسلعنا شيءٌ من الشوق
- لا بأس - فالشوق وقود يدفعنا للدعاء ويذكرنا برخص الدنيا !
سنذهب جميعًا إليه في وقت ما ، وكل ما أرجوه أن لا يحرمنا ربنا من تلك المنى ، فالجنة نرجو ، حيث نسعد هناك بلا حزن ولا كدرٍ ولا بكاء !
لا أستطيع أن أكمل حديثي الآن ، وسأقف عند حدي هذا ، لأني إن استمريت قد لا أتمالك حزني !

" إن كان يسبح في أنهار الجنة كأطيب ريح مسك ، فما على دنيانا من حزن ! "


20 / 7 / 1431 هـ
[ كتبت هذه الكلمات في أوقات متباعدة ، لأن الدمع في كل مرة يبلل عيني والورق ]

مريم